عمدة القاري ج١ ص١٠٧
January 03, 2019
Tags:
Hadis
من ذلك لم يحكم بإسلامه وقال الأشعري وقوم من المتكلمين لا يستحق أن يطلق عليه اسم الإيمان إلا بعد أن يعرف كل مسألة من مسائل أصول الدين بدليل عقلي غير أن الشرط أن يعرف ذلك بقلبه سواء أحسن العبارة عنه أو لا يعني لا يشترط أن يقدر على التعبير عن الدليل بلسانه ويبينه مرتبا موجها وقالوا هذا وإن لم يكن مؤمنا عندنا على الإطلاق لكنه ليس بكافر أيضا لوجود ما يضاد الكفر فيه وهو التصديق وقالوا وإنما قيدنا الدليل بالعقلي لأنه لا يجوز الاستدلال في إثبات أصول الدين بالدليل السمعي لأن ثبوت الدليل السمعي موقوف على ثبوت وجود الصانع والنبوة فلو أثبت وجود الصانع والنبوة به لزم الدور والمراد من التقليد هو اعتقاد حقية قول الغير على وجه الجزم من غير أن يعرف دليله وإذا عرف هذا جئنا إلى بيان وجهي المذهب الأصح الأول أن المقلد مأمور بالإيمان وقد ثبت أن الإيمان هو التصديق القلبي وقد أتى به فيكون مؤمنا وإن لم يعرف الدليل ونظر هذا الاحتجاج ما روى أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى لما قيل له ما بال أقوام يقولون يدخل المؤمن النار فقال لا يدخل النار إلا المؤمن فقيل له والكافر فقال كلهم مؤمنون يومئذ كذا ذكره في الفقه الأكبر فقد جعل الكفار مؤمنين في الآخرة لوجود التصديق منهم والكافر أيضا عند الموت يصير مؤمنا لأنه بمعاينة ملك الموت وأمارات عذاب الآخرة يضطر إلى التصديق إلا أن الإيمان في الآخرة وعند معاينة العذاب لا يفيد حصول ثواب الآخرة ولا يندفع به عقوبة الكفر وهذا هو المعنى من قول العلماء أن إيمان اليأس لا يصح أي لا ينفع ولا يقبل لا أنه لا يتحقق إذ حقيقة الإيمان التصديق وهو يتحقق إذ الحقائق لا تتبدل بالأحوال وإنما يتبدل الاعتبار والأحكام الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعد من صدقه في جميع ما جاء به من عند الله مؤمنا ولا يشتغل بتعليمه من الدلائل العقلية في المسائل الاعتقادية مقدار ما يستدل به مستدل ويناظر به الخصوم ويذب عن حريم الدين ويقدر على حل ما يورد عليه من الشبه ولا بتعليم كيفية النظر والاستدلال وتأليف القياسات العقلية وطرق المناظرة والإلزام وكذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه قبل إيمان من آمن من أهل الردة ولم يعلمهم الدلائل التي يصيرون بها مستبصرين من طرق العقل وكذا عمر رضي الله عنه لما فتح سواد العراق قبل هو وعماله إيمان من كان بها من الزط والأنباط وهما صنفان من الناس مع قلة أذهانهم وبلادة أفهامهم وصرفهم أعمارهم في الفلاحة وضرب المعاول وكري الأنهار والجداول ولو لم يكن إيمان المقلد معتبرا لفقد شرطه وهو الاستدلال العقلي لاشتغلوا بأحد أمرين إما بالإعراض عن قبول إسلامهم أو بنصب متكلم حاذق بصير بالأدلة عالم بكيفية المحاجة ليعلمهم صناعة الكلام حتى يحكموا بإيمانهم ولما امتنعوا عن كل واحد من هذين الأمرين وامتنع أيضا كل من قام مقامهم إلى يومنا هذا عن ذلك ظهر أن ما ذهب إليه الخصم باطل لأنه خلاف صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه العظام وغيرهم من الأئمة الأعلام النوع الثالث في أن الإيمان هل يزيد وينقص وهو أيضا من فروع اختلافهم في حقيقة الإيمان فقال بعض من ذهب إلى أن الإيمان هو التصديق أن حقيقة التصديق شيء واحد لا يقبل الزيادة والنقصان وقال آخرون أنه لا يقبل النقصان لأنه لو نقص لا يبقى إيمانًا ولكن يقبل الزيادة لقوله تعالى {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا} ونحوها من الآيات وقال الداودي سئل مالك عن نقص الإيمان وقال قد ذكر الله تعالى زيادته في القرآن وتوقف عن نقصه وقال لو نقص لذهب كله وقال ابن بطال مذهب جماعة من أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والحجة على ذلك ما أورده البخاري قال فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص وذكر الحافظ أبو القاسم هبة الله اللالكائي في كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وابن عباس وابن عمر وعمار وأبو هريرة وحذيفة وسلمان وعبد الله بن رواحة وأبو أمامة وجندب بن عبد الله وعمير بن حبيب وعائشة رضي الله تعالى عنهم ومن التابعين كعب الأحبار وعروة وعطاء وطاوس ومجاهد وابن أبي مليكة وميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير والحسن ويحيى بن أبي كثير والزهري وقتادة وأيوب ويونس وابن عون وسليمان التيمي وإبراهيم النخعي وأبو البحتري وعبد الكريم الجريري وزيد بن الحارث والأعمش ومنصور والحكم وحمزة الزيات وهشام بن حسان ومعقل بن عبيد الله الجريري ثم محمد بن أبي ليلى والحسن بن صالح ومالك بن مغول ومفضل بن مهلهل