عمدة القاري ج٢ ص٢٦٤

الصلاة والسلام يتوضأ فدعى بإناء فيه ماء كما قد ذكرناه عن قريب قوله أضافها معناه جعل الماء الذي في يده في يديه جميعًا فإنه أمكن في الغسل قوله فغسل بها أي بالغرفة وفي رواية الأصيلي وكريمة فغسل بهما أي باليدين قوله ثم مسح برأسه قال الكرماني وههنا تقدير إذ لا يجوز المسح بماء غسل به يده وذلك نحو أن يقدر ثم بل يده فمسح برأسه قلت في رواية أبي داود ثم قبض قبضة من الماء ثم نفض يده ثم مسح رأسه وأذنيه ولو وقف الكرماني على هذه الرواية لقال الحديث يفسر بعضه بعضًا والتقدير ههنا هكذا وذكر رواية أبي داود وزاد النسائي من طريق الدراوردي عن زيد وأذنيه مرة واحدة ومن طريق ابن عجلان باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه وزاد ابن خزيمة من هذا الوجه وأدخل أصبعيه فيهما قوله فرش على رجله اليمنى أي صبه قليلا قليلا حتى صار غسلا وقوله حتى غسلها صريح في أنه لم يكتف بالرش وقال الكرماني فإن قلت المشهور أن الرش والغسل يتمايزان بسيلان الماء وعدمه فكيف قال أولا رش ثم قال ثانيًا حتى غسلها وأيضًا لا يمكن غسل الرجل بغرفة واحدة قلت الفرق ممنوع وكذا عدم إمكان غسلها بغرفة ولعل الغرض من ذكره على هذا الوجه بيان تقليل الماء في العضو الذي هو مظنة للإسراف فيه انتهى قلت قوله الفرق ممنوع ممنوع من حيث اللغة ولكن الجواب هو أن يقال أن الرش قد يذكر ويراد به الغسل والدليل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أسماء رضي الله عنها في رواية الترمذي حتيه ثم اقرضيه ثم رشيه وصلي فيه زاد اغسليه قاله البغوي ويؤيد ما قلناه قوله حتى غسلها فإنه قرينة على أن المراد من الرش هو الغسل وفائدته التنبيه على الاحتراز عن الإسراف لأن الرجل مظنة الإسراف في الغسل فإن قلت وقع في رواية أبي داود والحاكم فرش على رجله اليمنى وفيها النعل ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل قلت المراد من المسح ههنا الغسل وقال ابن الأعرابي وابو زيد الأنصاري المسح في كلام العرب يكون غسلا ويكون مسحا ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسح وأما قوله تحت النعل فمحمول على التجوز عن القدم على أنا نقول هذه رواية شاذة رواها هشام بن سعد وهو ممن لا يحتج بهم عند الانفراد فكيف إذا خالفه غيره قوله فغسل بها رجله يعني اليسرى هو بغين معجمة وسين مهملة من الغسل كذا وقع في الأصول وقال ابن التين رويناه بالعين المهملة ولعله على الرجلين بمنزلة العضو الواحد فكأنه كرر غسله لأن العلة هو الشرب الثاني ثم قال وقال أبو الحسن أراه فغسل فسقطت السين انتهى هذا كله غريب وتكلف والصواب ما وقع في الأصول فغسل بها وقوله يعني رجله اليسرى قائل لفظة يعني زيد بن أسلم أو من هو دونه من الرواة وقال الكرماني ولفظ يعني ليس من كلام عطاء بل من راو آخر بعده قلت لم لا يجوز أن يكون من كلام عطاء ولم أدر وجه النفي عنه ما هو ثم إن هذه اللفظة قد وقعت في بعض النسخ بعد لفظة رجله قبل لفظ اليسرى وفي بعضها قبل رجله. (بيان استنباط الأحكام) الأول أن الوضوء مرة مرة هو مجمع عليه الثاني فيه الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة وهو حجة للشافعية في أحد الوجوه فيهما وقالوا في كيفيتها خمسة أوجه الأول أن يجمع بينهما بغرفة يتمضمض منها ثلاثًا ثم يستنشق منها ثلاثًا. والثاني أن يجمع أيضا بغرفة لكن يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتمضمض منها ثم يستنشق ولفظ الراوي ههنا يحتمل هذين الوجهين. والثالث أنه يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق منها. والرابع أن يفصل بينهما بغرفتين فيتمضمض من إحداهما بثلاث ثم يستنشق من الأخرى ثلاثًا. والخامس أن يفصل بست غرفات يتمضمض بثلاث ثم يستنشق بثلاث. قال الكرماني والأصح أن الأفضل هو الرابع وقال النووي هو الثالث واتفقوا على أن المضمضة على كل قول مقدمة على الاستنشاق وهل هو تقديم استحباب أو اشتراط فيه وجهان أظهرهما اشتراط لاختلاف العضوين والثاني استحباب كتقديم اليمنى على اليسرى وفي الروضة في كيفيته وجهان أصحهما يتمضمض من غرفة ثلاثًا ويستنشق من أخرى ثلاثًا والثاني بست غرفات وفي الجواهر للمالكية حكى ابن سابق في ذلك قولين أحدهما يغرف غرفة واحدة لفيه وأنفه والثاني يتمضمض ثلاثًا في غرفة ويستنشق ثلاثًا في غرفة فقال وهذا اختيار مالك والأول اختيار الشافعي وفي المغني للحنابلة وهو مخير بين أن يتمضمض
Previous Post
Next Post
Related Posts