بيان المعاني: قوله: (فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء) وفي بعض الروايات: (فأتي بقدح رحراح) وفي بعضها: (زجاج) ، وفي بعضها: (جفنة) ، وفي بعضها: (ميضأة) ، وفي بعضها: (مزادة) . وفي رواية ابن المبارك: (فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير) . وروى المهلب أنه كان مقدار وضوء رجل واحد. قوله: (وامر الناس) ، وكانوا خمس عشرة ومائة، وفي بعض الروايات ثمانمائة، وفي بعضها زهاء ثلاثمائة، وفي بعضها، ثمانين، وفي بعضها سبعين. قوله: (ينبع من تحت أصابعه) وفي بعض الروايات: (يفور من بين أصابعه) ، وفي بعضها: (يتفجر من أصابعه كأمثال العيون) ، وفي بعضها: (سكب ماء في ركوة ووضع إصبعه وبسطها وغسلها في الماء) ، وهذه المعجزة أعظم من تفجر الحجر بالماء. وقال المزني، نبع الماء بين أصابعه أعظم مما أوتيه موسى، عليه الصلاة والسلام، حين ضرب بعصاه الحجر في الأرض، لأن الماء معهود أن يتفجر من الحجارة، وليس بمعهود أن يتفجر من بين الأصابع، وقال غيره: وأما من لحم ودم فلم يعهد من غيره صلى الله عليه وسلم. وقال القاضي عياض: وهذه القضية رواها الثقات من العدد الكثير عن الجم الغفير عن الكافة متصلا عمن حدث بها من جملة الصحابة، وأخبارهم أن ذلك كان في مواطن اجتماع الكثير منهم من محافل المسلمين ومجمع العساكر، ولم يرو واحد من الصحابة مخالفة للراوي فيما رواه، ولا إنكار عما ذكر عنهم أنهم رأوه كما رآه، فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق منهم، إذ هم المنزهون عن السكوت على الباطل، والمداهنة في كذب وليس هناك رغبة ولا رهبة تمنعهم، فهذا النوع كله ملحق بالقطعي من معجزاته، عليه الصلاة والسلام، وفيه رد على ابن بطال حيث قال في شرحه: هذا الحديث شهده جماعة كثيرة من الصحابة، إلا أنه لم يرو إلا من طريق أنس، رضي الله تعالى عنه، وذلك، والله تعالى أعلم لطول عمره، ويطلب الناس العلو في السند.
بيان استنباط الأحكام الأول: فيه عدم وجوب طلب الماء للتطهر قبل دخول الوقت، لأن النبي، عليه الصلاة والسلام، لم ينكر عليهم التأخير، فدل على الجواز. وذكر ابن بطال: أن إجماع الامة على أنه إن توضأ قبل الوقت فحسن، ولا يجوز التيمم عند أهل الحجاز قبل دخول الوقت، وأجازه العراقيون: الثاني: أن فيه دليلا على وجوب المواساة عند الضرورة لمن كان في مائه فضل عن وضوئه. الثالث: فيه دليل على أن الصلاة لا تجب إلا بدخول الوقت. الرابع: يستحب التماس الماى لمن كان على غير طهارة، وعند دخول الوقت يجب. الخامس: فيه رد على من ينكر المعجزة من الملاحدة. السادس: إستنبط المهلب منه أن الأملاك ترتفع عند الضرورة، لأنه لما أتي رسول الله، عليه الصلاة والسلام، بالماء لم يكن أحد أحق به من غيره، بل كانوا فيه سواء، ونوقش فيه، وإنما تجب المواساة عند الضرورة لمن كان في مائه فضل عن وضوئه.
33 - (باب الماء الذي يغسل به شعر الانسان)
أي: هذا باب في بيان الماء الذي يغسل به شعر بني آدم.
والمناسبة بين البابين من حيث إن في الباب الأول التماس الناس الوضوء، ولا يلتمس للوضوء إلا الماء الطاهر، وفي هذا الباب غسل شعر الإنسان، وشعر الانسان طاهر، فالماء الذي يغسل به طاهر، فعلم أن في كل من البابين اشتمال على حكم الماء الطاهر.