عمدة القاري ج١ ص٩٧
December 28, 2018
Tags:
Hadis
والنهي عن الشيء يوجب أن يكون ضده في معنى سنة مؤكدة التاسع ما قيل وينهاكم عن عبادة الأوثان لم يذكره أبو سفيان فلم ذكره هرقل وأجيب بأنه قد لزم ذلك من قول أبي سفيان وحده ومن ولا تشركوا ومن واتركوا ما يقول آباؤكم ومقولهم كان عبادة الأوثان العاشر ما قيل ما ذكر هرقل لفظة الصلة التي ذكرها أبو سفيان فلم تركها وأجيب بأنها داخلة في العفاف إذ الكف عن الحرام وخوارم المروءة يستلزم الصلة وفيه نظر إلا أن يراد أن الاستلزام عقلي فافهم الحادي عشر ما قيل لم ما راعى هرقل الترتيب وقدم في الإعادة سؤال التهمة على سؤال الاتباع والزيادة والارتداد وأجيب بأن الواو ليست للترتيب أو أن شدة اهتمام هرقل بنفي الكذب على الله سبحانه وتعالى عنه بعثه على التقديم الثاني عشر ما قيل السؤال من أحد عشر وجها والمعاد في كلام هرقل تسعة حيث لم يقل وسألتك عن القتال وسألتك كيف كان قتالكم فلم ترك هذين الإثنين وأجيب لأن مقصوده بيان علامات النبوة وأمر القتال لا دخل له فيها إلا بالنظر إلى العاقبة وذلك عند وقوع هذه القصة كانت في الغيب وغير معلوم لهم أو لأن الراوي اكتفى بما سيذكره في رواية أخرى يوردها في كتاب الجهاد في باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام بعد تكرر هذه القصة مع الزيادات وهو أنه قال وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم وزعمت أن قد فعل وأن حربكم وحربه يكون دولا وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة الثالث عشر ما قيل كيف قال هرقل وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ومن أين علم ذلك وأجيب باطلاعه في العلوم المقررة عندهم من الكتب السالفة الرابع عشر ما قيل كيف قال في الموضعين فقلت وفي غيرهما لم يذكره وأجيب بأن هذين المقامين مقام تكبر وبطر بخلاف غيرهما الخامس عشر ما قيل كيف قال وكنت أعلم أنه خارج ومأخذه من أين وأجيب بأن مأخذه أما من القرائن العقلية وأما من الأحوال العادية وأما من الكتب القديمة كما ذكرنا السادس عشر ما قيل هذه الأشياء التي سألها هرقل ليست بقاطعة على النبوة وإنما القاطع المعجزة الخارقة للعادة فكيف قال وكنت أعلم أنه خارج بالتأكيدات والجزم وأجيب بأنه كان عنده علم بكونها علامات هذا النبي صلى الله عليه وسلم وبه قطع ابن بطال. وقال أخبار هرقل وسؤاله عن كل فصل فصل إنما كان عن الكتب القديمة وإنما كان ذلك كله نعتا للنبي صلى الله عليه وسلم مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل السابع عشر ما قيل هل يحكم بإسلام هرقل بقوله فلو أني أعلم أني أخلص له لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت رجليه وأجيب بأنا لا نحكم به لأنه ظهر منه ما ينافيه حيث قال إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فعلمنا أنه ما صدر منه ما صدر عن التصديق القلبي والاعتقاد الصحيح بل لامتحان الرعية بخلاف إيمان ورقة فإنه لم يظهر منه ما ينافيه وفيه نظر لأنه يجوز أن يكون قوله ذلك خوفًا على نفسه لما رآهم حاصوا حيصة الحمر الوحشية وأراد بذلك إسكاتهم وتطمينهم ومن أين وقفنا على ما في قلبه هل صدر هذا القول عن تصديق قلبي أم لا ولكن قال النووي لا عذر فيما قال لو أعلم لتجشمت لأنه قد عرف صدق النبي صلى الله عليه وسلم وإنما شح بالملك ورغب في الرياسة فآثرهما على الإسلام وقد جاء ذلك مصرحًا به في صحيح البخاري ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي وما زالت عنه الرياسة وقال الخطابي إذا تأملت معاني هذا الكلام الذي وقع في مسألته عن أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وما استخرجه من أوصافه تبينت حسن ما استوصف من أمره وجوامع شأنه ولله دره من رجل ما كان أعقله لو ساعد معقوله مقدوره وقال أبو عمر آمن قيصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأبت بطارقته قلت قوله لو أعلم أني أخلص إليه يدل على أنه لم يكن يتحقق السلامة من القتل لو هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقاس ذلك على قصة ضفاطر الذي أظهر لهم إسلامه فقتلوه ولكن لو نظر هرقل في الكتاب إليه إلى قوله صلى الله عليه وسلم أسلم تسلم وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لو أسلم لسلم من كل ما كان يخافه ولكن القدر ما ساعده ومما يقال أن هرقل آثر ملكه على الإيمان وتمادى على الضلال أنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة بدون السنتين ففي مغازي ابن إسحق وبلغ المسلمين لما نزلوا معان من أرض الشام أن هرقل نزل في مائة ألف من المشركين فحكى كيفية الواقعة وكذا روى ابن حبان في صحيحه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أيضا من تبوك يدعوه وأنه