عمدة القاري ج١ ص٩٦
December 28, 2018
Tags:
Hadis
الثاني ما قيل أن هرقل لم خص الأقرب بقوله أيهم أقرب نسبا وأجيب بأنه أحرى بالاطلاع على أموره ظاهرا وباطنا ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب الثالث ما قيل لم عدل عن السؤال عن نفس الكذب إلى السؤال عن التهمة وأجيب بأنه لتقريرهم على صدقه لأن التهمة إذا انتفت انتفى سببها الرابع ما قيل أن أبا سفيان لما قال له هرقل فهل يغدر قال قلت لا فما معنى كلامه بعده ونحن منه في مدة إلى آخره أجيب بأنه لما قطع بعدم غدره لعلمه من أخلاقه الوفاء والصدق أحال الأمر على الزمن المستقبل لكونه مغيبا وأورده على التردد ومع هذا كان يعلم أن صدقه ووفاءه ثابت مستمر ولهذا لم يقدح هرقل على هذا القدر منه الخامس ما قيل ما وجه قول أبي سفيان الحرب بيننا وبينه سجال أجيب بأنه أشار بذلك إلى ما وقع بينهم في غزوة بدر وغزوة أحد وقد صرح بذلك أبو سفيان يوم أحد في قوله يوم بيوم بدر والحرب سجال السادس ما قيل كيف خصص أبو سفيان الأربعة المذكورة بالذكر وهي الصلاة والصدق والعفاف والصلة وأجيب للإشارة إلى تمام مكارم الأخلاق وكمال أنواع فضائله لأن الفضيلة إما قولية وهي الصدق وإما فعلية وهي إما بالنسبة إلى الله تعالى وهي الصلاة لأنه تعظيم الله تعالى وإما بالنسبة إلى نفسه وهي العفة وإما بالنسبة إلى غيره وهي الصلة ولما كان مبنى هذه الأمور الصدق وصحتها موقوفة على التوحيد وترك الإشراك بالله تعالى أشار إليه بقوله أولا يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأشار بهذا القسم إلى التخلي عن الرذائل وبالقسم الأول إلى التحلي بالفضائل ويؤول حاصل الكلام إلى أنه ينهانا عن النقائص ويأمرنا بالكمالات فافهم السابع ما قيل لا تشركوا كيف يكون مأمورا به والعدم لا يؤمر به إذ لا تكليف إلا بفعل لا سيما في الأوامر وأجيب بأن المراد به التوحيد الثامن ما قيل لا تشركوا نهى فما معنى ذلك إذ لا يقال له أمر وأجيب بأن الإشراك منهي عنه وعدم الإشراك مأمور به مع أن كل نهي عن شيء أمر بضده وكل أمر بشيء نهي عن ضده. قلت هذا الموضع فيه تفصيل لا نزاع في أن الأمر بالشيء نهي عن ترك ذلك الشيء بالتضمن نهي تحريم إن كان الأمر للوجوب ونهي كراهة إن كان للندب فإذا قال صم يلزمه أن لا يترك الصوم وإنما النزاع في أن الأمر هل هو نهي عن ضده الوجودي مثلا قولك اسكن عين قولك لا تتحرك بمعنى أن المعنى الذي عبر عنه بأسكن عين ما عبر عنه بلا تتحرك فتكون عبارتان لإفادة معنى واحد أم لا فيه النزاع لا في أن صيغة أسكن عين صيغة لا تتحرك فإنه ظاهر الفساد لم يذهب إليه أحد. فذهب بعض الشافعية والقاضي أبو بكر أولا أن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده بالمعنى المذكور. وقال القاضي آخرا وكثير من الشافعية وبعض المعتزلة أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده لا أنه عينه إذ اللازم غير الملزوم. وذهب إمام الحرمين والغزالي وباقي المعتزلة إلى أنه لا حكم لكل واحد منهما في ضده أصلا بل هو مسكوت عنه. ومنهم من اقتصر فقال الأمر بالشيء عين النهي عن ضده أو يستلزمه ولم يتجاوز ومنهم من تجاوز إلى الجانب الآخر وقال النهي عن الشيء عين الأمر بضده أو يستلزمه. وقال أبو بكر الجصاص وهو مذهب عامة العلماء الحنفية وأصحاب الشافعي وأهل الحديث أن الأمر بالشيء نهي عن ضده إذا كان له ضد واحد كالأمر بالإيمان نهي عن الكفر وإن كان له أضداد كالأمر بالقيام له أضداد من القعود والركوع والسجود والاضطجاع يكون الأمر به نهيا عن جميع أضداده كلها وقال بعضهم يكون نهيا عن واحد منها من غير عين وفصل بعضهم بين الأمر بالإيجاب والأمر بالندب فقال أمر الإيجاب يكون نهيا عن ضد المأمور به وعن أضداده لكونها مانعة من قبل الموجب وأمر الندب لا يكون كذلك فكانت أضداد المندوب غير منهي عنها لا نهي تحريم ولا نهي تنزيه ومن لم يفصل جعل أمر الندب نهيا عن ضده نهي ندب حتى يكون الامتناع عن ضد المندوب مندوبًا كما يكون فعله مندوبًا وأما النهي عن الشيء فأمر بضده إن كان له ضد واحد باتفاقهم كالنهي عن الكفر أمر بالإيمان وإن كان له أضداد فعند بعض الحنفية وبعض أصحاب الحديث يكون أمرا بالأضداد كلها كما في جانب الأمر وعند عامة الحنفية وعامة أصحاب الحديث يكون أمرا بواحد من الأضداد غير عين. وذهب بعضهم إلى أنه يوجب حرمة ضده وقال بعضهم يدل على حرمة ضده وقال بعض الفقهاء يدل على كراهة ضده وقال بعضهم يوجب كراهة ضده. ومختار القاضي أبي زيد وشمس الأئمة وفخر الإسلام ومن تابعهم أنه يقتضي كراهة ضده